يا قلبُ كم فيكَ من دُنْيا محجَّبة ٍ |
كأنَّها حين يبدو فجرُها إرَمُ |
يا قلبُ كم فيكَ من كونٍ، قد اتقدَتْ |
فيه الشُّموسُ وعاشتْ فَوقُه الأممُ |
يا قلبُ كمْ فيكَ من أفقٍ تُنَمِّقْهُ |
كواكبٌ تتجلَّى ثُمَّ تَنعِدمُ |
يا قلبُ كمْ فيكَ من قبرٍ، قد انطفَأَتْ |
فيهالحياة ُ وضجَّت تحتُه الرِّمَمُ |
يا قلبُ كمْ فيكَ من كهفٍ قد انبَجَسَتْ |
منه الجداولُ تجري مالها لُجُمُ |
تمشي فتحملُ غُصناً مُزْهِراً نَضِراً |
أو وَرْدَة ً لمْ تشَوِّهْ حُسنَها قَدَمُ |
أو نَحْلة ً جرَّها التَّيارُ مُندَفِعاً |
إلى البحارِ تُغنّي فوقها الدِّيَمُ |
أو طائراً ساحراً مَيتْاً قد انفجرتْ |
في مُقْلَتَيْهِ جِراحٌ جَمَّة ٌ وَدَمُ |
يا قلبُ إنَّك كونٌ، مُدهِشٌ عَجَبٌ |
إنْ يُسألِ الناسُ عن آفاقه يَجِمُوا |
كأنَّكَ الأبدُ المجهولُ قد عَجَزَتْ |
عنكَ النُّهَى ، واكْفَهَرَّتْ حَوْلَكَ الظُّلَمُ |
يا قلبُ كمْ من مسرَّاتٍ وأخْيِلة ِ |
ولذَّة ٍ، يَتَحَامَى ظِلَّها الألمُ |
غَنَّتْ لفجرِكَ صوتاً حالماً، فَرِحاً |
نَشْوَانَ ثم توارتْ، وانقضَى النَّغمْ |
وكم رأي لَيْلُك الأشباحَ هائمة ً |
مذعورة ً تتهاوى حولها الرُّجُمُ |
ورَفْرَفَ الألمُ الدَّامِي، بأجنحة ٍ |
مِنَ اللَّهيبِ، وأنَّ الحُزْنُ والنَّدَمُ |
وكمْ مُشَتْ فوقكَ الدُّنيا بأجمعها |
حتَّى توارتْ، وسار الموتُ والعدمُ |
وشيَّدتْ حولك الأيامُ أبنية ً |
مِنَ الأناشيدِ تُبْنَى ، ثُمّ تَنْهدمُ |
تمضي الحياة ُ بما ضيها،وحاضِرها |
وتذْهَبُ الشمسُ والشُّطآنُ والقممُ |
وأنتَ، أنتَ الخِضمُّ الرَّحْبُ، لا فَرَحٌ |
يَبْقَى على سطحكَ الطَّاغي، ولا ألمُ |
يا قلبُ كم قد تملَّيتَ الحياة َ، وككمْ |
رقَّيتَها مَرَحاً، ما مَسَّك السَأمُ |
وكمْ توشَّحتَ منليلٍ، ومن شَفَقٍ |
ومن صباحٍ تُوَشِّي ذَيْلَهُ السُّدُمُ |
وكم نسجْتَ من الأحلام أردية ً |
قد مزَّقّتْها الليالي، وهيَ تَبْتَسِمُ |
وكم ضَفَرتَ أكاليلاً مُوَرَّدة ً |
طارتْ بها زَعْزَعٌ تدوي وتَحْتَدِمُ |
وَكَمْ رسمتَ رسوماً، لا تُشابِهُهَا |
هذي العَوَالمُ، والأحلامُ، والنُّظُمُ |
كأنها ظُلَلُ الفِردَوْسِ، حافِلة ً |
بالحورِ، ثم تلاشَتْ، واختفى الحُلُمُ |
تبلُو الحياة َ فتبلِيها وتخلَعُها |
وتستجدُّ حياة ً، ما لها قِدمُ |
وأنت أنتَ: شبابٌ خالدٌ، نضِرٌ |
مِثلُ الطَّبيعة ِ لا شَيْبٌ ولا هرَمُ |